الجزيرة نت

الاثنين، 17 يناير 2011

إبراهيم قويدر : الغضب الشعبي




تشهد الساحة العربية غضبًا شعبيًّا شديدًا في كثير من أقطارنا العربية، هذا الغليان الشعبي- الذي يطلق عليه العديد من المتابعين "الثورة الشعبية"- هو رد فعل طبيعي لما تعانيه شعوبنا العربية من غبن واضطهاد وإهدار للحقوق وسرقات متعددة لأموالها، والمساس المباشر بكرامة الإنسان العربي لصالح فئة مارقة مستغلة ممن استفادوا من وجود أنظمة تتسلط على هذه الشعوب المقهورة.
كنا قد  توقعنا حدوث هذه الثورة منذ أكثر من عشر سنوات، سواء في لقاءات إعلامية أو في ندوات أو كتابات؛ لأن ما يحدث هو نتيجة طبيعية لاستمرار الظلم والغطرسة من قِبَل المسئولين ضد مواطنيهم، وغلُوّهم في تأليه أنفسهم، وعدم إعطاء أية قيمة للناس الذين لولاهم ما جاءوا هم إلى السلطة بمختلف تفرعاتها وأشكالها.
إن ما يحدث هو النتيجة المفزعة التي غابت عن رئيس دولة مثل تونس وجعلته يتهم رجال نظامه بأنهم ضللوه قائلاً: "لقد ضللوني"، لكن- مع الأسف- جاء هذا الاعتراف بعد فوات الأوان، وتمكن الثورة من نفوس الشعب.
إن العدوى التي تسري في البلدان العربية هي نتيجة طبيعية للفقر والجوع والمعاناة اليومية للإنسان الفقير حيث يصارع الحياة من أجل الحصول لقمة العيش، وهو يسكن في بيت عشوائي، وأبناؤه عراة لا يحصلون على الرعاية الصحية والتعليمية، وخلال هذه المعاناة يرى ويسمع عن الترف الزائد عن الحد لتلك النخبة المترفة المستغلة لمقدرات الدولة من أجل خدمة مصالحها فقط، فيسمع عن رجل من ذوى الحصانة أنفق "مليونًا" في احتفال. ويرى السيارات الفارهة المشتراه من اموال الشعب ليترفه بها ابناء سارقى اموال الناس وثروتهم، ويرى الإنفاق المالي غير المنظم. ويشاهد بأم عينيه ما يعانيه إخوانه من ظلم واضطهاد في حياتهم من قبل أقل المسئولين تمثيلاًً للنظام، وهم -على سبيل المثال لا الحصر- من رجال المخابرات، أو المباحث، أو أي جهاز أمني، حتى الحرس البلدي يقوم بعض أفراده بممارسة القمع والاستغلال ضد البسطاء الذين يبحثون عن لقمة العيش من الذين يبيعون بعض الخضروات أو أي شيء يكسبون به قوتهم؛ مثلما حدث للشاب التونسي محمد البوزيدى الذي حرق نفسه في "سيدي بوزيد" بسبب رجال الحرس البلدي، وهدمهم للكشك الذي يعتبره مصدر دخله الوحيد، هذا الشاب الذي أشعل الشرارة الأولى للثورة التي انطلقت واستمرت حتى عم الغضب الشعبي كل البلاد ويقول الكاتب عبد الوهاب المواس":
"إنها بوضوح تام حركة عصيان مدني وتمرد جيل بكامله على الواقع المزرى والعفن الذي أوصلتنا إليه الطبقة الحاكمة في العالم العربي من محيطه إلى خليجه ومعها الطبقة السياسية بمجملها ,الحاكمة والمعارضة على السواء ولن يفلت المثقفون الذين انخرط الكثير منهم في لعبة تزويق الأنظمة وتجميل وجهها القبيح "

"إنه جرس الانذار للجميع ,للأنظمة القمعية الفاسدة أولاً ثم لكل من يحمي رجال السلطة من صحافة فاسدة وعقول مأجورة".
"إن ساعة الصفر قد دقت وإن شعور الناس بالظلم والمهانة والإفقار والتجويع كل ذلك فاق الخوف من القمع الأمني والإرهاب الحكومي المنظم …ولكل طاغية نهاية"

ومن أجل إظهار الحقائق وتوضيح الأمور بعقلانية وبعيدًا عن التشنج أو الانحياز إلا للحق والمنطق نقول: إن الغضب الشعبي الحالي هو نتيجة طبيعية لتراكمات كثيرة عبر عشرات السنوات الماضية من أفعال أضرت بالناس، وجعلت الحقد والغضب ينمو شيئًا فشيئا، وينفجر بركانًا في الوقت المناسب، وهو الوقت الذي تتاح فيه الفرصة للناس للتعبير عما يدور في خلدهم، فتنطلق الشرارة الأولى، وانطلاقتها تسرى بقوة، وتتحول إلى ثورة غضب عامة، تعم البلاد وترغم المسئولين على التنازل، وحتمًا طردهم من مواقعهم.
وعندما نقرأ الاسباب المؤدية للثورات الشعبية نجدها كالتالي:
الفساد الإداري والواسطة والمحسوبية في الحصول على العمل والخدمات الضرورية لحياة المواطنين، وهذا الفساد من أهم القضايا التي تهم المواطن -خاصة الشباب منهم بعد تخرجهم وعدم حصولهم على العمل- والتي تؤدى بهم إلى اتخاذ مواقف عدائية ضد مسئولي بلادهم.
الفساد المالي وسرقة الأموال والرشاوى والعمولات، فتفقد موازنة الدولة الملايين، بل المليارات في بعض الأحيان، وينعكس ذلك على حجم الإنفاق على المشروعات التنموية التي تخلق فرص عمل للشباب.
تراكم عمليات القتل والتصفيات عبر السنوات، وتعرض الناس إلى الإهانات وانتهاك حرمات بيوتهم من قبل زوّار الفجر، وتكرار ذلك بمبرر ودون مبرر، وغياب الإجراءات القانونية واحترام حقوق الإنسان في هذه الأمور.
كبت الحريات ومنع حرية التعبير، والحجر الفكري على الكتّاب والإعلاميين والمثقفين، وكأنهم أعداء لبلادهم، رغم أنهم يؤمنون بالشورى والديمقراطية التي نص عليها القرآن، ونصت عليها المواثيق الدولية.
احتكار السوق لصالح بعض الفئات المستغلة، والتي تتحكم في قوت الشعب، وما تلاقي هذه الفئة المحتكرة من دعم وتأييد من رموز كبيرة المقام والسلطان نتيجة مصالح مشتركة بينهم.
الملل الذي أصاب الشعوب من تسابق وسائل الإعلام في بلدانهم إلى تمجيد مبالغ فيه للأنظمة ومشاريعها بشكل مخزٍ ومقرف البعيد كل البعد عن الحقيقة، وهي أساليب أصبحت الشعوب تعيها وتعلمها جيدًا، خاصة فيما يتعلق بقضية الممارسة الديمقراطية، وأن السلطة لهم وفقًا لشكل كل نظام من الأنظمة، والحقيقة بعيدة عن ذلك، فالاختيارات والانتخابات تجري وفقًا لمصالح الفئة الحاكمة دون مراعاة لكفاءات أبناء الوطن الأوفياء الشرفاء القادرين على خدمة الناس بشرف وعفة، فيتم إبعادهم واختيار أزلام الأنظمة من الفلاسفة المتخصصين في فن الكلام.
والأهم، هو ما حدث ويحدث كل يوم من استخفاف بالناس وبعقلياتهم؛ بالكذب عليهم في كل مناسبة، وتزوير الحقائق، وقلب الهزائم إلى انتصارات، وتعظيم الأمور بعيدًا عن الحقيقة.
كل هذه الأسباب مجتمعة تجعل الشعب ينفجر بصورة لا يمكن العودة فيها، وأقول هنا: عندما يحدث ذلك ينسى الناس الإنجازات، إن وجدت؛ لأنهم يقارنونها بالغبن والاضطهاد والظلم الواقع عليهم، فلا يهمهم ما تم، فيحدث التصادم، ويواجه الغضب بالعنف الرسمي، وبالتالي يتم مواجهته بعنف آخر، وينسى المسئولون أنه لولا الشعب ولولا الناس ما كان لهم أن يحكموا.
إن أمام الأنظمة العربية التي يحدث فيها الغضب الشعبي، أن تسعى إلى إنقاذ شعوبها، والحد من حمامات الدم، وتسليم السلطة للشعب؛ لكي يمارسها وفقًا لرؤيته الشعبية الحقيقية، وبالشكل والمضمون الذي يختاره. لكى لا يفاجأ النظام بأعداد هائلة زاحفة ليس لها علاقة بالمعارضة ولا بالنظام فهم الشعب الحقيقي ابناء الوطن
أما الأنظمة التي لم يبدأ فيها الغضب الشعبي بعدُ، فعليها أن تراجع نفسها وسياساتها ومشاكل ناسها، وتعمل على إدخال الإصلاحات اللازمة للحد من مظاهر الفساد المختلفة، وصون كرامة الإنسان، وتوفير الظروف الملائمة لجميع فئات المجتمع ليعيشوا حياة كريمة، يتمتعون فيها بالمساواة وتكافؤ الفرص، ويقف الجميع أمام القانون سواء.
وأختم مقالي برسالة لكل الشعوب العربية وانظمتها :
(لا يغرنكم حديث الاستكبار الأمريكي أو الأوروبي المعسول عما قام به الشعب التونسي وتأكدوا لو أن النظام نجح في قمعهم لوقف أوباما ليتحدث عن ضرورة قمع المتطرفين والإرهابيين والخارجين على القانون. بالتالي فان ارادتنا الحرة تنطلق من ذاتنا ومصيرنا في الحياة نحدده نحن حكاما ومحكومين لا دخل للغريب المصلحي الذى يحدد مواقفه وفقا لمصلحته هذه حقيقة اثبتتها تجاربنا الماضية ،فلنبحث عن مصلحتنا ولتعلم الانظمة ان رأسمال استمرار حكمها هو شعبها ليس الا .)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق